0
Al Muqaddima Part 96: الفصل 47 في كيفية طروق الخلل للدولة - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 96: الفصل 47 في كيفية طروق الخلل للدولة Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 96: الفصل 47 في كيفية طروق الخلل للدولة - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل السابع و الأربعون في كيفية طروق الخلل للدولة إعلم أن مبنى الملك على أساسين لابد منهما فالأول الشوكة و العصبية و هو المعبر عنه بالجند و الثاني المال الذي هو قوام أولك الجند و إقامة ما يحتاج إليه الملك من الأحوال. و الخلل إذا طرق الدولة طرقها في هذين الأساسين فلنذكر أولا طروق الخلل في الشوكة و العصبية ثم نرجع إلى طروقه في المال و الجباية. و اعلم أن تمهيد الدولة و تأسيسها كما قلناه إنما يكون بالعصبة و أنه لابد من عصبية كبرى جامعة للعصائب مستتبعة لها و هي عصبية صاحب الدولة الخاصة من عشيرة و قبيلة فإذا جاءت الدولة طبيعة الملك من الترف و جدع أنوف أهل العصبية كان أول ما يجدع أنوف عشيرته و ذري قرباه القاسمين له في اسم الملك فيستبد في جدع أنوفهم بما بلغ من سوادهم لمكانهم من الملك و العز و الغلب فيحيط بهم هادمان و هما الترف و القهر ثم يصير القهر آخرا إلى القتل لما يحصل من مرض قلوبهم عند رسوخ الملك لصاحب الأمر فيقلب غيرته منهم إلى الخوف على ملكه فيأخذهم بالقتل و الإهانة و سلب النعمة و الترف الذي تعودوا الكثير منه فيهلكون و يقلون و تفسد عصبيبة صاحب الدولة منهم و هي العصبية الكبرى التي كانت تجمع بها العصائب و تستتبعها فتنحل عروتها و تضعف شكيمتها و تستبدل عنها بالبطانة من موالي النعمة و صنائع الإحسان و تتخذ منهم عصبة إلا أنها ليست مثل تلك الشدة الشكيمية لفقدان الرحم و القرابة منها و قد كنا قدمنا أن شأن العصبية و قوتها إنما هي بالقرابة و الرحم لما جعل الله في ذلك فينفرد صاحب الدولة عن العشير و الأنصار الطبيعية و يحس بذلك أهل العصاب الأخرى فيتجاسرون عليه و على بطانته تجاسرا طبيعيا فيهلكهم صاحب الدولة و يتبعهم بالقتل واحد بعد واحد و يقلد الآخر من أهل الدولة في ذلك، الأول مع ما يكون قد نزل بهم من مهلكة الترف الذي قدمنا فيستولي عليهم الهلاك بالترف و القتل حتى يخرجوا عن صبغة تلك العصبة و يفشوا بعزتها و ثورتها و يصيروا أوجز على الحماية و يقلون لذلك فتقل الحماية التي تنزل بالأطراف و الثغور فتتجاسر الرعايا على بعض الدعوة في الأطراف و يبادر الخوارج على الدولة من الأعياص و غيرهم إلى تلك الأطراف لما يرجون حينئذ من حصول غرضهم بمبايعة أهل القاصية لهم و أمنهم من وصول الحامية إليهم و لا يزال ذلك يتدرج و نطاق الدولة يتضايق حتى تصير الخوارج في أقرب الأماكن إلى مركز الدولة و ربما انقسمت الدولة عند ذلك بدولتين أو ثلاث على قدر قوتها في الأصل كما قلناه و يقوم بأمرها غير أهل عصبيتها لكن إذعانا لأهل عصبتها و لغلبهم المعهود و اعتبر هذا في دولة العرب في الإسلام كيف انتهت أولا إلى الأندلس و الهند و الصين و كان أمر بني أمية نافذا في جميع العرب بعصبة بني عبد مناف حتى لقد أمر سليمان بن عبد الملك بدمشق بقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بقرطبة فقتل و لم يرد أمره. ثم تلاشت عصبة بني أمية بما أصابهم من الترف فانقرضوا. و جاء بنو العباس فنضوا من أعنة بنب هاشم و قتلوا الطالبين و شردوهم فانحلت عصبية عبد مناف و تلاشت و تجاسر العرب عليهم فاستبد عليهم أهل القاصية مثل بني الأغلب بأفريقية و أهل الأندلس و غيرهم و انقسمت الدولة ثم خرج بنو إدريس بالمغرب و قام البربر بأمرهم إذعانا للعصبية التي لهم و أمنا أن تصلهم مقاتلة أو حامية للدولة. فإذا خرج الدعاة آخرا فيتغلبون على الأطراف و القاصية و تحصل لهم هناك دعوة و ملك تنقسم به الدولة و ربما يزيد ذلك متى زادت الدولة تقلصا إلى أن ينتهي إلى المركز و تضعف البطانة بعد ذلك بما أخذ منها الترف فتهلك و تضمحل و تضعف الدولة المنقسمة كلها و ربما طال أمدها بعد ذلك فتستغني عن العصبية بما حصل لها من الصبغة في نفوس أهل إيالتها و هي صبغة الانقياد و التسليم منذ السنين الطويلة التي لا يعقل أحد من الأجيال مبدأها و لا أوليتها فلا يعقلون إلا التسليم لصاحب الدولة فيستغني بذلك عن قوة العصائب و يكفي صاحبها بما حصل لها في تمهيد أمرها الإجراء على الحامية من جندي و مرتزق و يعضد ذلك ما وقع في النفوس عامة من التسليم فلا يكاد أحد يتصور عصيانا أو خروجا إلا و الجمهور منكرون عليه مخالفون له فلا يقدر على التصدي لذلك و لو جهد جهده و ربما كانت الدولة في هذا الحال أسلم من الخوارج و المنازعة لاستحكام صبغة التسليم و الانقياد لهم فلا تكاد النفوس تحدث سرها بمخالفة و لا يختلج في ضميرها انحراف عن الطاعة فيكون أسلم من الهرج و الانتقاض الذي يحدث من العصاب و العشائر ثم لا يزال أمر الدولة كذلك و هي تتلاشى في ذاتها شأن الحرارة الغريزية في البدن العادم للغذاء إلى أن تنتهي إلى وقتها المقدور و لكل أجل كتاب و لكل دولة أمد و الله يقدر الليل و النهار و هو الواحد القهار. و أما الخلل الذي يتطرق من جهة المال فاعلم أن الدولة في أولها تكون بدوية كما مر فيكون خلق الرفق بالرعايا و القصد في النفقات و التعفف عن الأموال فتتجافى عن الإمعان في الجباية و التحذلق و الكيس في جميع الأموال حسبان العمال و لا داعية حينئذ إلى الإسراف في النفقة فلا تحتاج الدولة إلى كثرة المال ثم يحصل الاستيلاء و يعظم و يستفحل الملك فيدعو إلى الترف و يكثر الإنفاق بسببه فتعظهم نفقات السلطان و أهل الدولة على العموم بل يتعدى ذلك إلى أهل المصر و يدعو ذلك إلى الزيادة في أعطيات الجند و أرزاق أهل الدولة ثم يعظم الترف فيكثر الإسراف في النفقات و ينتشر ذلك في الرعية لأن الناس على دين ملوكها و عوائدها و يحتاج السلطان إلى ضرب المكوس على أثمان البياعات في الأسواق لإدرار الجباية لما يراه من ترف المدينة الشاهد عليهم بالرفه و لما يحتاج هو إليه من نفقات سلطانه و أرزاق جنده ثم تزيد عوائد الترف فلا تفي بها المكوس و تكون الدولة قد استفحلت في الاستطالة و القهر لمن تحت يدها من الرعايا فتمتد أيديهم إلى جمع المال من أموال الرعايا من مكس أو تجارة أو نقد في بعض الأحوال بشبهة أو بغير شبهة و يكون الجند في ذلك الطور قد تجاسر على الدولة بما لحقها من الفشل و الهرم في العصبية فتتوقع ذلك منهم و تداوى بسكينة العطايا و كثرة الإنفاق فيهم و لا تجد عن ذلك وليجة و تكون جباة الأموال في الدولة قد عظمت ثروتهم في هذا الطور بكثرة الجباية و كونها بأيديهم و بما اتسع لذلك من جاههم فيتوجه إليهم باحتجان الأموال من الجباية و تفشو السعاية فيهم، بعضهم من بعض للمنافسة و الحقد فتعمهم النكبات و المصادرات واحدا واحدا إلى أن تذهب ثروتهم و تتلاشى أحوالهم و يفقد ما كان للدولة من الأبهة و الجمال بهم و إذا اصطلمت نعمتهم تجاوزتهم الدولة إلى أهل الثروة من الرعايا سواهم و يكون الوهن في هذا الطور قد لحق الشوكة و ضعفت عن الاستطالة و القهر فتنصرف سياسة صاحب الدولة حينئذ إلى مداراة الأمور ببذل المال و يراه أرفع من السيف لقلة غنائه فتعظم حاجته إلى الأموال زيادة على النفقات و أرزاق الجند و لا يغنى فيما يريد و يعظم الهرم بالدولة و يتجاسر عليها أهل النواحي و الدولة تنحل عراها في كل طور من هذه إلى أن تفضي إلى الهلال و تتعوض من الاستيلاء الكلل فإن قصدها طالب انتزعها من أيدي القائمين بها و إلا بقيت و هي تتلاشى إلى أن تضمحل كالذبال في السراج إذا فني زيته و طفئ و الله مالك الأمور و مدبر الأكوان لا إله إلا هو.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?