0
Al Muqaddima Part 25 : الفصل السادس في معاناة أهل الحضر للأحكام - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 25 : الفصل السادس في معاناة أهل الحضر للأحكام Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 25 : الفصل السادس في معاناة أهل الحضر للأحكام - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل السادس في أن معاناة أهل الحضر للأحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعة منهم

و ذلك أنه ليس كل أحد مالك أمر نفسه إذ الرؤساء و الأمراء المالكون لأمر الناس قليل بالنسبة إلى غيرهم فمن الغالب أن يكون الإنسان في ملكة غيره، و لا بد فإن كانت الملكة رفيقة و عادلة لا يعانى منها حكم و لا منع و صد كان الناس من تحت يدها مدلين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبن واثقين بعدم الوازع حتى صار لهم الإذلال جبلة لا يعرفون سواها و أما إذا كانت الملكة و أحكامها بالقهر و السطوة و الإخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم و تذهب المنعة عنهم لما يكون من التكاسل في النفوس المضطهدة كما نبينه و قد نهى عمر سعداً رضي الله عنهما عن مثلها لما أخذ زهرة بن حوبة سلب الجالنوس و كانت قيمته خمسة و سبعين ألفاً من الذهب و كان أتبع الجالنوس يوم القادسية فقتله و أخذ سلبه فانتزعه منه سعد و قال له هلا انتظرت في أتباعه إذني و كتب إلى عمر يستأذنه فكتب إليه عمر تعمد إلى مثل زهرة و قد صلى بما صلى به و بقى عليك ما بقى من حربك و تكسر فوقه و تفسد قلبه و أمضى له عمر سلبه و أما إذا كانت الأحكام بالعقاب فمذهبة للبأس بالكلية لأن وقوع العقاب به و لم يدافع عن نفسه يكسبه المذلة التي تكسر من سورة بأسه بلا شك و أما إذا كانت الأحكام تأديبية و تعليمية و أخذت من عند الصبا أثرت في ذلك بعض الشيء لمرباه على المخافة و الانقياد فلا يكون مدلاً ببأسه و لهذا نجد المتوحشين من العرب أهل البدو أشد بأساً ممن تأخذه الأحكام و نجد أيضاً الذين يعانون الأحكام و ملكتها من لدن مرباهم في التأديب و التعليم في الصنائع و العلوم و الديانات ينقص ذلك من بأسهم كثيراً و لا يكادون يدفعون عن أنفسهم عادية بوجه من الوجوه و هذا شأن طلبة العلم المنتحلين للقراءة و الأخذ عن المشايخ و الأيمة الممارسين للتعليم و التأديب في مجالس الوقار و الهيبة فيهم هذه الأحوال و ذهابها بالمنعة و البأس. و لا تستنكر ذلك بما وقع في الصحابة من أخذهم بأحكام الدين و الشريعة و لم ينقص ذلك من بأسهم بل كانوا أشد الناس بأساً لأن الشارع صلوات الله عليه لما أخذ المسلمون عنه دينهم كان وازعهم فيه من أنفسهم لما تلي عليهم من الترغيب و الترهيب و لم يكن بتعليم صناعي و لا تأديب تعليمي إنما هي أحكام الذين و آدابه المتلقاة نقلاً يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان و التصديق فلم تزل سورة بأسهم مستحكمة كما كانت و لم تخدشها أظفار التأديب و الحكم قال عمر رضي الله عنه "من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله " حرصاً على أن يكون الوازع لكل أحد من نفسه و يقيناً بأن الشارع أعلم بمصالح العباد و لما تناقص الدين في الناس و أخذوا بالأحكام الوازعة ثم صار الشرع علماً و صناعة يؤخز بالتعليم و التأديب و رجع الناس إلى الحضارة و خلق الانقياد إلى الأحكام نقصت يذلك سورة البأس فيهم فقد تبين أن الأحكام السلطانية و التعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها ذاتي و لهذا كانت هذه الأحكام السلطانية و التعليم مما تؤثر في أهل الحواضر في ضعف نفوسهم و حضد الشوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم و كهولهم و البدو بمعزل من هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السلطان و التعليم و الآداب و لهذا قال محمد بن أبي زيد في كتابه "في أحكام المعلمين و المتعلمين" أنه لا ينبغي للمؤدب أن يضرب أحداً من الصبيان في التعليم فوق ثلاثة أسواط ، نقله عن شريح القاضي و احتج له بعضهم بما وقع في حديث بدء الوحي من شأن الغط و أنه كان ثلاث مرات و هو ضعيف و لا يصلح شأن الغط أن يكون دليلاً على ذلك لبعده عن التعليم المتعارف و الله الحكيم الخبير.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?