0
Al Muqaddima Part 153 : الفصل 27 في صناعة الحياكة و الخياطة - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 153 : الفصل 27 في صناعة الحياكة و الخياطة Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 153 : الفصل 27 في صناعة الحياكة و الخياطة - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل السابع و العشرون في صناعة الحياكة و الخياطة إعلم أن المعتدلين من البشر في معنى الإنسانية لا بد لهم من الفكر في الدفء كالفكر في الكن. و يحصل الدفء باشتمال المنسوج للوقاية من الحر و البرد. و لا بد لذلك من إلحام الغزل حتى يصير ثوباً واحداً، و هو النسج و الحياكة. فإن كانوا بادية اقتصروا عليه، و إن قالوا إلى الحضارة فصلوا تلك المنسوجة قطعاً يقدرون منها ثوباً على البدن بشكله و تعدد أعضائه و اختلاف نواحيها. ثم يلائمون بين تلك القطع بالوصائل حتى تصير ثوباً واحداً على البدن و يلبسونها. و الصناعة المحصلة لهذه الملاءمة هي الخياطة.

هاتان الصناعتان ضروريتان في العمران لما يحتاج إليه البشر من الرفه فالأولى لنسج الغزل من الصوف و الكتان و القطن إسداء في الطول و إلحاماً في العرض و إحكاماً لذلك النسج بالالتحام الشديد، فيتم منها قطع مقدرة فمنها الأكسية من الصوف للاشتمال، و منها الثياب من القطن و الكتان للباس. و الصناعة الثانية لتقدير المنسوجات على اختلاف الأشكال و العوائد، تفصل بالمقراض قطعاً مناسبة للأعضاء البدنية ثم تلحم تلك القطع بالخياطة المحكمة وصلاً أو تنبيتاً أو تفسحاً على حسب نوع الصناعة. و هذه الصناعة مختصة بالعمران الحضري لما أن أهل البدو يستغنون عنها و إنما يشتملون الأثواب اشتمالاً. و إنما تفصيل الثياب و تقديرها و إلحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة و فنونها. و تفهم هذه في سر تحريم المخيط في الحج لما أن مشروعية الحج مشتملة على نبذ العلائق الدنيويئة كلها و الرجوع إلى الله تعالى كما خلقنا أول مرة، حتى لا يعلق العبد قلبه بشيء من عوائد ترفه، لا طيباً و لا نساءً لا مخيطاً و لا خفاً، و لا يتعرض لصيد و لا لشيء من عوائده التي تلونت بها نفسه و خلقه، مع أنه يفقدها بالموت ضرورة. و إنما يجيء كأنه وارد إلى المحشر ضارعاً بقلبه مخلصاً لربه. و كان جزاؤه إن تم له إخلاصه في ذلك أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. سبحانك ما أرفقك بعبادك و أرحمك بهم في طلب هدايتهم إليك. و هاتان الصنعتان قديمتان في الخليقة لما أن الدفء ضروري للبشر في العمران المعتدل. و أما المنحرف إلى الحر فلا يحتاج أهله إلى دفء. و لهذا يبلغنا عن أهل الإقليم الأول من السودان أنهم عراة في الغالب. و لقدم هذه الصنائع ينسبها العامة إلى ادريس عليه السلام و هو أقدم الأنبياء. و ربما ينسبونها إلى هرمس و قد يقال إن هرمس هو إدريس. و الله سبحانه و تعالى هو الخلاق العليم.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?