0
Al Muqaddima Part 179 : الفصل 19: في العلوم العقلية و أصنافها - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 179 : الفصل 19: في العلوم العقلية و أصنافها Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 179 : الفصل 19: في العلوم العقلية و أصنافها - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل التاسع عشر: في العلوم العقلية و أصنافها و أما العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث إنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل بوجه النظر فيها إلى أهل الملل كلهم و يستوون في مداركها و مباحثها. و هي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة. و تسمى هذه العلوم علوم الفلسفة و الحكمة و هي مشتملة على أربعة علوم: الأول علم المنطق و هو علم يعصم الذهن عن الخطأ في اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة المعلومة و فائدته تمييز الخطأ من الصواب. فيما يلتمسه الناظر في الموجودات و عوارضها ليقف على تحقيق الحق في الكائنات نفيا و ثبوتا بمنتهى فكره. ثم النظر بعد ذلك عندهم إما في المحسوسات من الأجسام العنصرية و المكونة عنها من المعدن و النبات و الحيوان و الأجسام الفلكية والحركات الطبيعية. و النفس التي تنبعث عنها الحركات و غير ذلك. و يسمى هذا الفن بالعلم الطبيعي و هو العلم الثاني منها. و إما أن يكون النظر في الأمور التي وراء الطبيعة من الروحانيات و يسمونه العلم الإلهي و هو الثالث منها. و العلم الرابع و هو الناظر في المقادير و يشتمل على أربعة علوم و تسمى التعاليم. أولها: علم الهندسة و هو النظر في المقادير على الإطلاق. إما المنفصلة من حيث كونها معدودة أو المتصلة و هي إما ذو بعد واحد و هو الخط أو ذو بعدين و في السطح، أو ذو أبعاد ثلاثة و هو الجسم التعليمي. ينظر في هذه المقادير و ما يعرض لها إما من حيث ذاتها أو من حيث نسبة بعضها إلى بعض. و ثانيها علم الأرتماطيقي و هو معرفة ما يعرض للكم المنفصل الذي هو العدد و يؤخذ له من الخواص و العوارض اللاحقة. و ثالثها علم الموسيقى و هو معرفة نسب الأصوات و النغم بعضها من بعض و تقديرها بالعدد و ثمرته معرفة تلاحين الغناء. و رابعها علم الهيئة و هو تعيين الأشكال للأفلاك و حصر أوضاعها و تعددها لكل كوكب من السيارة و الثابتة والقيام على معرفة ذلك من قبل الحركات السماوية المشاهدة الموجودة لكل واحد منها و من رجوعها و استقامتها و إقبالها و إدبارها. فهذه أصول العلوم الفلسفية و هي سبعة: المنطق و هو المقدم منها و بعده التعاليم فالأرتماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات و لكل واحد منها فروع تتفرع عنه. فمن فروع الطبيعيات الطب و من فروع علم العدد علم الحساب والفرائض و المعاملات و من فروع الهيئة الأزياج و هي قوانين لحساب حركات الكواكب و تعديلها للوقوف على مواضعها متى قصد ذلك و من فروعها النظر في النجوم على الأحكام النجومية و نحن نتكلم عليها واحدا بعد واحد إلى آخرها. و اعلم أن أكثر من عني بها في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم الأمتان العظيمتان في الدولة قبل الإسلام و هما فارس و الروم فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم على ما بلغنا لما كان العمران موفورا فيهم والدولة و السلطان قبل الإسلام و عصره لهم فكان لهذه العلوم بحور زاخرة في آفاقهم و أمصارهم. و كان للكلدانيين و من قبلهم من السريانيين و من عاصرهم من القبط عناية بالسحر و النجامة و ما يتبعها من الطلاسم و أخذ ذلك عنهم الأمم من فارس و يونان فاختص بها القبط و طمى بحرها فيهم كما وقع في المتلو من خبر هاروت و ماروت و شأن السحرة و ما نقله أهل العلم من شأن البراري بصعيد مصر. ثم تتابعت الملل بحظر ذلك و تحريمه فدرست علومه و بطلت كأن لم تكن إلا بقايا يتناقلها منتحلو هذه الصنائع. و الله أعلم بصحتها. مع أن سيوف الشرع قائمة على ظهورها مانعة من اختبارها. و أما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما و نطاقها متسعا لما كانت عليه دولتهم من الضخامة و اتصال الملك. و لقد يقال إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم حين قتل الإسكندر دارا و غلب على مملكة الكينية فاستولى على كتبهم و علومهم. إلا أن المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس، و أصابوا من كتبهم وصحائف علومهم مما لا يأخذه الحصر و لما فتحت أرض فارس و وجدوا فيها كتبا كثيرة كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها و تنقيلها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء. فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه و إن يكن ضلالا فقد كفانا الله. فطرحوها في الماء أو في النار و ذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا. و أما الروم فكانت الدولة منهم ليونان أولا و كان لهذه العلوم بينهم مجال رحب و حملها مشاهير من رجالهم مثل أساطين الحكمة و غيرهم. و اختص فيها المشاءون منهم أصحاب الرواق بطريقة حسنة في التعليم كانوا يقرؤون في رواق يظلم من الشمس و البرد على ما زعموا. و اتصل فيها سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه بقراط الدن، ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أرسطو ثم إلى تلميذه الإسكندر الأفرودسي، و تامسطيون و غيرهم. و كان أرسطو معلما للأسكندر ملكهم الذي غلب الفرس على ملكهم و انتزع الملك من أيديهم. و كان أرسخهم في هذه العلوم قدما و أبعدهم فيه صيتا و شهرة. و كان يسمى المعلم الأول فطار له في العالم ذكر. ولما انقرض أمر اليونان و صار الأمر للقياصرة و أخذوا بدين النصرانية هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل و الشرائع فيها. و بقيت في صحفها و دواوينها مخلدة باقية في خزائنهم ثم ملكوا الشام و كتب هذه العلوم باقية فيهم. ثم جاء الله بالإسلام و كان لأهله الظهور الذي لا كفاء له و ابتزوا الروم ملكهم فيما ابتزوه للأمم. و ابتدأ أمرهم بالسذاجة و الغفلة عن الصنائع حتى إذا تبحبح من السلطان و الدولة و أخذ الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم و تفننوا في الصنائع و العلوم. تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية بما سمعوا من الأساقفة و الأقسة المعاهدين بعض ذكر منها و بما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها. فبغث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة فبعث إليه بكتاب أوقليدس و بعض كتب الطبيعيات. فقرأها المسلمون و اطلعوا على ما فيها و ازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها. و جاء المأمون بعد ذلك و كانت له في العلم رغبة بما كان ينتحله فانبعث لهذه العلوم حرصا و أوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين و انتساخها بالخط العربي و بعث المترجمين لذلك فأوعى منه و استوعب. و عكف عليها النظار من أهل الإسلام و حذقوا في فنونها و انتهت إلى الغاية أنظارهم فيها. و خالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول و اختصوه بالرد و القبول لوقوف الشهرة عنده. و دونوا في ذلك الدواوين وأربوا على من تقدمهم في هذه العلوم و كان من أكابرهم في الملة أبو نصر الفارابي و أبو علي بن سينا بالمشرق و القاضي أبو الوليد بن رشد و الوزير أبو بكر بن الصائغ بالأندلس إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم. و اختص هؤلاء بالشهرة والذكر و اقتصر كثيرون على انتحال التعاليم و ما ينضاف إليها من علوم النجامة والسحر و الطلسمات. و وقفت الشهرة في هذا المنتحل على جابر بن حيان من أهل المشرق و مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس و تلميذه. و دخل على الملة من هذه العلوم و أهلها داخلة و استهوت الكثير من الناس بما جنحوا إليها وقلدوا آراءها و الذنب في ذلك لمن ارتكبه. و لو شاء الله ما فعلوه. ثم إن المغرب والأندلس لما ركدت ريح العمران بهما و تناقصت العلوم بتناقصه اضمحل ذلك منهما إلا قليلا من رسومه تجدها في تفاريق من الناس و تحت رقبة من علماء السنة. و يبلغنا عن أهل المشرق أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة و خصوصا في عراق العجم و ما بعده فيما وراء النهر و أنهم على بح من العلوم العقلية لتوفر عمرانهم و استحكام الحضارة فيهم. و لقد وقفت بمصر على تآليف في المعقول متعددة لرجل من عظماء هراة من بلاد خراسان يشتهر بسعد الدين التفتازاني منها في علم الكلام و أصول الفقه و البيان تشهد بأن له ملكة راسخة في هذه العلوم. و في أثنائها ما يدل على أن له اطلاعا على العلوم الحكمية و قدما عالية في سائر الفنون العقلية و الله يؤيد بنصره من يشاء. كذلك بلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الإفرنجة من أرض رومة و ما إليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق و أن رسومها هناك. متجددة و مجالس تعليمها متعددة و دواوينها جامعة متوفرة و طلبتها متكثرة و الله أعلم بما هنالك و هو يخلق ما يشاء و يختار.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?