0
Al Muqaddima Part 106 : الفصل الأول في أن الدول من المدن و الأمصار و أنها إنما توجد ثانية عن الملك - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 106 : الفصل الأول في أن الدول من المدن و الأمصار و أنها إنما توجد ثانية عن الملك Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 106 : الفصل الأول في أن الدول من المدن و الأمصار و أنها إنما توجد ثانية عن الملك - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل الأول في أن الدول من المدن و الأمصار و أنها إنما توجد ثانية عن الملك و بيانه أن البناء و اختطاط المنازل إنما من منازع الحضارة التي يدعو إليها الترف و الدعة كما قدمناه و ذلك متأخر عن البداوة و منازعها و أيضاً فالمدن و الأمصار ذات هياكل و أجرام عظيمة و بناء كبير و هي موضوعة للعموم لا للخصوص فتحتاج إلى اجتماع الأيدي و كثرة التعاون و ليست من الأمور الضرورية للناس التي تعم بها البلوى حتى يكون نزوعهم إليها اضطراراً بل لا بد من إكراههم على ذلك و سوقهم إليه مضطهدين بعصا الملك أو مرغبين في الثواب و الأجر الذي لا يفي بكثرته إلا الملك و الدولة. فلا بد في تمصير الأمصار و اختطاط المدن من الدولة و الملك. ثم إذا بنيت المدينة و كمل تشييدها بحسب نظر من شيدها و بما اقتضته الأحوال السماوية و الأرضية فيها فعمر الدولة حينئذ عمر لها فإن كان عمر الدولة قصيراً وقف الحل فيها عند انتهاء الدولة و تراجع عمرانها و خربت و إن كان أمد الدولة طويلاً و مدتها منفسحة فلاتزال المصانع فيها تشاد و المنازل الرحيبة تكثر و تتعدد و نطاق الأسواق يتباعد و ينفسح إلى أن تسمع الخطة و تبعد المسافة و ينفسح ذرع المساحة كما وقع ببغداد و أمثالها. ذكر الخطيب في تأريخه أن الحمامات بلغ عددها ببغداد لعهد المأمون خمسة و ستين ألف حمام و كانت مشتملة على مدن و أمصار متلاصقة و متقاربة تجاوز الأربعين و لم تكن مدينة وحدها يجمعها سور واحد لإفراط العمران و كذا حال القيروان و قرطبة و المهدية في الملة الإسلامية و حال مصر القاهرة بعدها فيما بلغنا لهذا العهد و أما بعد انقراض الدولة المشيدة للمدينة فإما أن يكون لضواحي تلك المدينة و ما قاربها من الجبال و البسائط بادية يمدها العمران دائماً فيكون ذلك حافظاً لوجودها و يستمر عمرها بعد الدولة كما تراه بفاس و بجاية من المغرب و بعراق العجم من المشرق الموجود لها العمران من الجبال لأن أهل البداوة إذا انتهت أحوالهم إلى غاياتها من الرفه و الكسب تدعو إلى الدعة و السكون الذي في طبيعة البشر فينزلون المدن و الأمصار و يتأهلون و أما إذا لم يكن لتلك المدينة المؤسسة مادة تفيدها العمران بترادف الساكن من بدرها فيكون انقراض الدولة خرقاً لسياجها فيزول حفظها و يتناقص عمرانها شيئاً فشيئاً إلى أن يبذعر ساكنها و تخرب كما و قع بمصر و بغداد و الكوفة بالمشرق و القيروان و المهدية و قلعة بني حماد بالمغرب و أمثالها فتفهمه و ربما ينزل المدينة بعد انقراض مختطيها الأولين ملك آخر و دولة ثانية يتخذها قراراً و كرسياً يستغني بها عن اختطاط مدينة ينزلها فتحفظ تلك الدولة سياجها و تتزايد مبانيها و مصانعها بتزايد أحوال الدولة الثانية و ترفها و تستجد بعمرانها عمراً آخر كما وقع بفاس و القاهرة لهذا العهد و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?