0
Al Muqaddima Part 128 : الفصل الأول في حقيقة الرزق و الكسب - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 128 : الفصل الأول في حقيقة الرزق و الكسب Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 128 : الفصل الأول في حقيقة الرزق و الكسب - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الباب الخامس من الكتاب الأول في المعاش و وجوبه من الكسب و الصنائع و ما يعرض في ذلك كله من الأحوال و فيه مسائلالفصل الأول في حقيقة الرزق و الكسب و شرحهما و أن الكسب هو قيمة الأعمال ا لبشرية إعلم أن الإنسان مفتقر بالطبع إلى ما يقوته و يمونة في حالاته و أطواره من لدن نشوءه إلى أشده إلى كبره “و الله الغني و أنتم الفقراء” و الله سبحانه خلق جميع ما في العالم للإنسان و امتن به عليه في غير ما آية من كتابه فقال: “خلق لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه”و سخر لكم البحر و سخر لكم الفلك و سخر لكم الأنعام. و كثير من شواهده. و يد الإنسان مبسوطة على العالم و ما فيه بما جعل الله له من الاستخلاف. و أيدي البشر منتشرة فهي مشتركة في ذلك. و ما حصل عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلا بعوض. فالإنسان متى اقتدر على نفسه و تجاوز طور الضعف سعى في اقتناء المكسب لينفق ما آتاه الله منها في تحصيل حاجاته و ضروراته بدفع الأعواض عنها. قال الله تعالى:” فابتغوا عند الله الرزق “و قد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزراعة و أمثاله. إلا أنها إنما تكون معينة و لا بد من سعيه معها كما يأتي فتكون له. تلك المكاسب معاشاً إن كانتا بمقدار الضرورة و الحاجة و رياشاً و متمولاً إن زادت على ذلك. ثم إن ذلك الحاصل أو المقتنى إن عادت منفعته على العبد و حصلت له ثمرته من إنفاقه في مصالحه و حاجاته سمي ذلك رزقاً. قال صلى الله عليه و سلم: “إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت” و إن لم ينتفع به في شيء من مصالحه و لا حاجاته فلا يسمى بالنسبة إلى المالك رزقاً و المتملك منه حينئذ بسعي العبد و قدرته يسمى كسباً. و هذا مثل التراث فإنه يسمى بالنسبة إلى المالك كسباً و لا يسمى رزقاً إذ لم يحصل به منتفع و بالنسبة إلى الوارثين متى انتفعوا به يسمى رزقاً. هذا حقيقة مسمى الرزق عند أهل السنة و قد اشترط المعتزل في تسميته رزقاً إن يكون بحيث يصح تملكه و ما لا يتملك عندهم لا يسمى رزقاً و أخرجوا الغصوبات و الحرام كله عن أن يسمى شيء منها رزقاً و الله تعالى يرزق الغاصب و الظالم و المؤمن و الكافر برحمته و هدايته من يشاء. و لهم في ذلك حجج ليس هذا موضع بسطها. ثم اعلم أن الكسب إنما يكون بالسعي في الاقتناء و القصد إلى التحصيل فلا بد في الرزق من سعي و عمل و لو في تناوله و ابتغائه من وجوهه. قال تعالى: “فابتغوا عند الله الرزق” و السعي إليه إنما يكون بأقدار الله تعالى و إلهامه، فالكل من عند الله. فلا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب و متمول. لأنه إن كان عملاً بنفسه مثل الصنائع فظاهر دال كان مقتنى من الحيوان و النبات و المعدن فلا بد فيه من العمل الإنساني كما تراه و إلا لم يحصل و لم يقع به انتفاع. ثم إن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب و الفضة قيمة لكل متمول، و هما الذخيرة و القنية لأهل العالم في الغالب. و إن اقتنى سواهما في بعض الأحيان فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق التي هما عنها بمعزل فهما أصل المكاسب و القنية و الذخيرة. و إذا تقرر هذا كله فاعلم أن ما يفيده الإنسان و يقتنيه من المتمولات إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله و هو القصد بالقنية إذ ليس هناك إلا العمل و ليس بمقصود بنفسه للقنية. و قد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها مثل التجارة و الحياكة معهما الخشب و الغزل إلا أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر و إن كان من غير الصنائع فلا بد من قيمة ذلك المفاد و القنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها. و قد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت. و قد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين الناس فإن اعتبار الأعمال و النفقات فيها ملاحظ في أسعار الحبوب كما قدمناه لكنه خفي في الأقطار التي علاج الفلح فيها و مؤنته بسيرة فلا يشعر به إلا القليل من أهل الفلح. فقد تبين أن المفادات و المكتسبات كلها أو أكثرها إنما هي قيم الأعمال الإنسانية و تبين مسمى الرزق و أنه المنتفع به. فقد بان معنى الكسب و الرزق و شرح مسماهما. و اعلم أنه إذا فقدت الأعمال أو قلت بانتقاص العمران تأذن الله برفع الكسب أترى ألا الأمصار القليلة الساكن كيف يقل الرزق و الكسب فيها أو يفقد لقلة الأعمال الإنسانية و كذلك الأمصار التي يكون عمرانها أكثر يكون أهلها أوسع أحوالاً و أشد رفاهية كما قدمناه قبل و من هذا الباب تقول العامة في البلاد إذا تناقص عمرانها إنها قد ذهب رزقها حتى إن الأنهار و العيون ينقطع جريها في القفر لما أن فور العيون إنما يكون بالأنباط و الامتراء الذي هو بالعمل الإنساني كالحال في ضروع الأنعام فما لم يكن إنباط و لا امتراء نصبت و غارت بالجملة كما يجف الضرع إذا ترك امتراؤه. و انظره في البلاد التي تعهد فيها العيون لأيام عمرانها ثم يأتي عليها الخراب كيف تغور مياهها جملة كأنها لم تكن و الله مقدر الليل و النهار.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?