0
Al Muqaddima Part 144 : الفصل18 في أن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة و طول أمده - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 144 : الفصل18 في أن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة و طول أمده Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 144 : الفصل18 في أن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة و طول أمده - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل الثامن عشر في أن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة و طول أمده و السبب في ذلك ظاهر و هو أن هذه كلها عوائد للعمران و الأوان. و العوائد إنما ترسخ بكثرة التكرار و طول الأمد فتستحكم صبغة ذلك و ترسخ في الأجيال. و إذا استحكمت الصبغة عسر نزعها. و لهذا نجد في الأمصار التي كانت استبحرت في الحضارة لما تراجع عمرانها و تناقص بقيت فيها آثار من هذه الصنائع ليست في غيرها من الأمصار المستحدثة العمران و لو بلغت مبالغها في الوفور و الكثرة و ما ذاك إلا لأن أحوال تلك القديمة العمران مستحكمة راسخة بطول الأحقاب و تداول الأحوال و تكررها و هذه لم تبلغ الغاية بعد. و هذا كالحال في الأندلس لهذا العهد فإنا نجد فيها رسوم الصنائع قائمة و أحوالها فمن مستحكمة راسخة في جميع ما تدعو إليه عوائد أمصارها كالمباني و الطبخ و أصناف الغناء و اللهو من الآلات و الأوتار و الرقص و تنضيد الفرش في القصور، و حسن الترتيب و الأوضاع في البناء و صوغ الآنية من المعادن و الخزف و جميع المواعين و إقامة الولائم و الأعراس و سائر الصنائع التي يدعو إليها الترف و عوائده. فنجدهم أقوم عليها و أبصر بها. و نجد صنائعها مستحكمة لديهم فهم على حصة موفورة من ذلك و حظ متميز بين جميع الأمصار. و إن كان عمرانها قد تناقص. و الكثير منه لا يساوي عمران غيرها من بلاد العدوة. و ما ذاك إلا لما قدمناه من رسوخ الحضارة فيهم برسوخ الدولة الأموية و ما قبلها من دولة القوط و ما بعدها من دولة الطوائف و هلم جرا. فبلغت الحضارة فيها مبلغاً لم تبلغه في قطر إلا ما ينقل عن العراق و الشام و مصر أيضاً لطول آماد الدول فيها فاستحكمت فيها الصنائع و كملت جميع أصنافها على الاستجادة و التنميق. و بقيت صبغتها ثابتة في ذلك العمران لا تفارقه إلى أن ينتقض بالكلية حال الصبغ إذا رسخ في الثوب. و كذا أيضاً حال تونس فيما حصل فيها بالحضارة من الدول الصنهاجية و الموحدين من بعدهم و ما استكمل لها في ذلك من الصنائع في سائر الأحوال و إن كان ذلك دون الأندلس. إلا أنه متضاعف برسوم منها تنقل إليها من مصر لقرب المسافة بينهما. و تردد المسافرين من قطرها إلى قطر مصر في كل سنة و ربما سكن أهلها هناك عصوراً فينقلون من عوائد ترفهم و محكم صنائعهم ما يقع لديهم موقع الاستحسان. فصارت أحوالها في ذلك متشابهة من أحوال مصر لما ذكرناه و من أحوال الأندلس لما أن أكثر ساكنها من شرق الأندلس حين الجلاء لعهد المائة السابعة. و رسخ فيها من ذلك أحوال و إن كان عمرانها ليس مناسب لذلك لهذا العهد. إلا أن الصبغة إذا استحكمت فقليلاً ما تحول إلا بزوال محلها. و كذا نجد بالقيروان و مراكش و قلعة ابن حماد أثراً باقياً من ذلك و إن كانت هذه كلها اليوم خراباً أو في حكم الخراب. و لا يتفطن لها إلا البصير من الناس فيجد من هذه الصنائع آثاراً تدله على ما كان بها كأثر الخط الممحو في الكتاب و الله الخلاق العليم.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?