0
Al Muqaddima Part 92: الفصل 43 في أن الظلم مؤذن بخراب العمران - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
0 0

Al Muqaddima Part 92: الفصل 43 في أن الظلم مؤذن بخراب العمران Ibn Khaldoun - إبن خلدون

Al Muqaddima Part 92: الفصل 43 في أن الظلم مؤذن بخراب العمران - Ibn Khaldoun - إبن خلدون
الفصل الثالث و الأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها و اكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها و مصيرها انتهابها من أيديهم و إذا ذهبت آمالهم في اكتسابها و تحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك و على قدر الاعتداء و نسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها و إن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته و العمران و وفوره و نفاق أسواقه إنما هو بالأعمال و سعي الناس في المصالح و المكاسب ذاهبين و جائين فإذا قعد الناس عن المعاش و انقبضت أيديهم في المكاسب كسدت أسواق العمران و انتفضت الأحوال و ابذعر الناس في الآفاق من غير تلك الإيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكن القطر و خلت دياره و خرجت أمصاره و اختل باختلاله حال الدولة و السلطان لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة و انظر في ذلك ما حكاه المسعودي في أخبار الفرس عن الموبذان صاحب الدين عندهم أيام بهرام بن بهرام و ما عرض به للملك في إنكار ما كان عليه من الظلم و الغفلة عن عائدته على الدولة بضرب المثال في ذلك على لسان البوم حين سمع الملك أصواتها و سأله عن فهم كلامها فقال له: إن بوما ذكرا يروم نكاح بوم أنثى و إنها شرطت عليه عشرين قرية من الخراب في أيام بهرام فقبل شرطها، و قال لها: إن دامت أيام الملك أقطعتك ألف قرية و هذا أسهل مرام. فتنبه الملك من غفلته و خلا بالموبذان و سأله عن مراده فقال له أيها الملك إن الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة و القيام لله بطاعته و التصرف تحت أمره و نهيه و لا قوام للشريعة إلا بالملك و لا عز للملك إلا بالرجال و لا قوام للرجال إلا بالمال و لا سبيل إلى المال إلا بالعمارة و لا سبيل للعمارة إلا بالعدل و العدل الميزان المنصوب بين الخليقة نصبه الرب و جعل له قيما و هو الملك و أنت أيها الملك عمدت إلى الضياع فانتزعتها من أربابها و عمارها و هم أرباب الخراج و من تؤخذ منهم الأموال و أقطعتها الحاشية و الخدم و أهل البطالة فتركوا العمارة و النظر في العواقب و ما يصلح الضياع و سومحوا في الخراج لقربهم من الملك و وقع الحيف على من بقي من أرباب الخراج و عمار الضياع فانجلوا عن ضياعهم و خلوا ديارهم و أووا إلى ما تعذر من الضياع فسكنوها فقلت العمارة و خربت الضياع و قلت الأموال و هلكت الجنود و الرعية و طمع في ملك فارس من جاورهم من الملوك لعلمهم بانقطاع المواد التي لا تستقيم دعائم الملك إلا بها. فلما سمع الملك ذلك أقبل على النظر في ملكه و انتزعت الضياع من أيدي الخاصة و ردت على أربابها و حملوا على رسومهم السالفة و أخذوا في العمارة و قوي من ضعف منهم فعمرت الأرض و أخصبت البلاد و كثرت الأموال عند جباة الخراج و قويت الجنود و قطعت مواد الأعداء و شحنت الثغور و أقبل الملك على مباشرة أموره بنفسه فحسنت أيامه و انتظم ملكه فتفهم من هذه الحكاية أن الظلم مخرب للعمران و أن عائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد و الانتقاض. و لا تنظر في ذلك إلى أن الاعتداء قد يوجد بالأمصار العظيمة من الدول التي بها و لم يقع فيها خراب و اعلم أن ذلك إنما جاء من قبل المناسبة بين الاعتداء و أحوال أهل المصر فلما كان المصر كبيرا و عمرانه كثيرا و أحواله متسعة بما لا ينحصر كان وقوع النقص فيه بالاعتداء و الظلم يسيرا لأن النقص إنما يقع بالتدريج فإذا خفي بكثرة الأحوال و اتساع الأعمال في المصر لم يظهر أثره إلا بعد حين و قد تذهب تلك الدولة المعتدية من أصلها قبل خراب و تجيء الدولة الأخرى فترفعه بجدتها و تجبر النقص الذي كان خفيا فيه فلا يكاد يشعر به إلا أن ذلك في الأقل النادر و المراد من هذا أن حصول النقص في العمران عن الظلم و العدوان أمر و اقع لا بد منه لما قدمناه و وباله عائد على الدول. و لا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض و لا سبب كما هو المشهور بل الظلم أعم من ذلك و كل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه فجباة الأموال بغير حقها ظلمة و المعتدون عليها ظلمة و المنتهبون لها ظلمة و المانعون لحقوق الناس ظلمة و خصاب الأملاك على العموم ظلمة و وبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله و اعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم و هو ما ينشأ عنه من فساد العمران و خرابه و ذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري و هي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين و النفس و العقل و النسل و المال. فلما كان الظلم كما رأيت مؤذنا بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران، كانت حكمة الخطر فيه موجودة، فكان تحريمه مهما، و أدلته من القرآن و السنة كثيرة، أكثر من أن يأخذها قانون الضبط و الحصر. و لو كان كل واحد قادرا على الظلم لوضع بإزائه من العقوبات الزاجرة ما وضع بإزاء غيره من المفسدات للنوع التي يقدر كل أحد على اقترافها من الزنا و القتل و السكر إلا أن الظلم لا يقدر عليه إلا من يقدر عليه لأنه إنما يقع من أهل القدرة و السلطان فبولغ في ذمة و تكرير الوعيد فيه عسى أن يكون الوازع فيه للقادر عليه ني نفسه و ما ربك بظلام للعبيد و لا تقولن إن العقوبة قد وضعت بإزاء الحرابة في الشرع و هي من ظلم القادر لأن المحارب زمن حرابته قادر فإن في الجواب عن ذلك طريقين. أحدهما أن تقول العقوبة على ما يقترفه من الجنايات في نفس أموال على ما ذهب إليه كثير و ذلك إنما يكون بعد القدرة عليه و المطالبة بجنايته و أما نفس الحرابة فهي خلو من العقوبة. الطريق الثاني أن تقول: المحارب لا يوصف بالقدرة لأنا إنما نعني بقدرة الظالم اليد المبسوطة التي لا تعارضها قدرة فهي المؤذنة بالخراب و أما قدرة المحارب فإنما هي إخافة يجعلها ذريعة لأخذ الأموال و المدافعة عنها بيد الكل موجودة شرعا و سياسة فليست من القدر المؤذن بالخراب و الله قادر على ما يشاء.

فصل: و من أشد الظلامات و أعظمها في إفساد العمران تكليف الأعمال و تسخير الرعايا بغير حق و ذلك أن الأعمال من قبيل المتمولات كما سنبين في باب الرزق لأن الرزق و الكسب إنما هو قيم أعمال أهل العمران. فإذا مساعيهم و أعمالهم كلها متمولات و مكاسب لهم بل لا مكاسب لهم سواها فإن الرعية المعتملين في العمارة إنما معاشهم و مكاسبهم من اعتمالهم ذلك فإذا كلفوا العمل في غير شأنهم و اتخذوا سخريا في معاشهم بطل كسبهم و اغتصبوا قيمة عملهم ذلك و هو متمولهم فدخل عليهم الضرر و ذهب لهم حظ كبير من معاشهم بل هو معاشهم بالجملة و إن تكرر ذلك عليهم أفسد آمالهم في العمارة و قعدوا عن السعى فيها جملة فأدى ذلك إلى انتقاض العمران و تخريبه و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق.

الاحتكار: و أعظم من ذلك في الظلم و إفساد العمران و الدولة التسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب و الإكراه في الشراء و البيع و ربما تفرض عليهم تلك الأثمان على التواحي و التعجيل فيتعللون في تلك الخسارة التي تلحقهم بما تحدثهم المطامع من جبر ذلك بحوالة الأسواق في تلك البضائع التي فرضت عليهم بالغلاء إلى بيعها بأبخس الأثمان، و تعود خسارة ما بين الصفقتين على رؤوس أموالهم. و قد يعم ذلك أصناف التجار المقيمين بالمدينة و الواردين من الآفاق في البضائع و سائر السوقة و أهل الدكاكين في المآكل و الفواكه و أهل الصنائع فيما يتخذ من الآلات و المواعين فتشمل الخسارة سائر الأصناف و الطبقات و تتوالى على الساعات و تجحف برؤوس الأموال و لا يجدون عنها وليجة إلا القعود عن الأسواق لذهاب رؤوس الأموال في جبرها بالأرباح و يتثاقل الواردون من الآفاق لشراء البضائع و بيعها من أجل ذلك فتكسد الأسواق و يبطل معاق الرعايا لأن عامته من البيع و الشراء و إذا كانت الأسواق عطلا منها بطل معاشهم و تنقص جباية السلطان أو تفسد لأن معظمها من أوسط الدولة و ما بعدها إنما هو من المكوس على البياعات كما قدمناه و يؤول ذلك إلى تلاشى الدولة و فساد عمران المدينة و يتطرق هذا الخلل على التدريج و لا يشعر به. هذا ما كان بأمثال هذه الذرائع و الأسباب إلى أخذ الأموال و أما أخذها مجانا و العدوان على الناس في أموالهم و حرمهم و دمائهم و أسرارهم و أغراضهم فهو يفضي إلى الخلل و الفساد دفعة و تنتقض الدولة سريعا بما ينشأ عنه من الهرج المفضي إلى الانتقاض و من أجل هذه المفاسد حظر الشرع ذلك كله و شرع المكايسة في البيع و الشراء و حظر أكل أموال الناس بالباطل سدا لأبواب المفاسد المفضية إلى انتقاض العمران بالهرج أو بطلان المعاش واعلم أن الداعي لذلك كله إنما هو حاجة الدولة و السلطان إلى الإكثار من المال بما يعرض لهم من الترف في الأحوال فتكثر نفقاتهم و يعظم الخرج و لا يفي به الدخل على القوانين المعتادة يستحدثون ألقاباً و وجوهاً يوسعون بها الجباية ليفي لهم الدخل بالخرج ثم لا يزال الترف يزيد و الخرج بسببه يكثر و الحاجة إلى أموال الناس تشتد و نطاق الدولة بذلك يزيد إلى أن تمحي دائرتها ويذهب برسمها و يغلبها طالبها و الله أعلم.
Comments (0)
The minimum comment length is 50 characters.
Information
There are no comments yet. You can be the first!
Login Register
Log into your account
And gain new opportunities
Forgot your password?